Saturday 8 March 2008

قطوف 2

...إذا
إذا آذاك سكان الدنيا وأجبروك على التفكير والتعامل بسلبية فانظر إلى جنان عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين واحتسب آلامك وجراحك عند الله ... إذا اسودت الدنيا في عينيك و أثقلتك الهموم وأعادتك إلى الجلوس في الزوايا التي ألفتها دهراً من الزمن حفاظاً على صورتك من أن تتشوه من سوء الدنيا ومن فيها ثم شاء لك الله أن تتمرد على نفسك و تنعتق من أسرها لأن مكانك ليس هناك وإنما خلقت لتحلق وتتألق وتتنفس من أنقى هواء وتشرب من أعذب ماء ... إذا عدت إلى هناك مجبراً فتوجه إلى الله الجليل واذرف دموعك في حضرته وبثه لوعتك وشكواك فإنه الأنيس ولا أنيس سواه وهو المجيب من ناداه فلا تبخل على نفسك بجلسة في حضرته فإنه سبحانه قد اشتاق لصوتك واشتاق لحرارة حديثك معه وأنسك به فلا تبخل يا صاحب الهم لا تبخل ... إذا أحسست بأن نفسك انكسرت وتفرقعت وتحطمت كالزجاج فالجأ إلى جابر المنكسرين العالم بالحال و ارجو رضاه واطلب رحمته ولا تجلس بأعتاب البشر فإنهم لا يغنون من الله شيئاً ... فإنهم ضعفاء فقراء مثلك وإنما نجواك مع الله ستر وكلامك معهم رفع لستر الله عليك
*************

...فقاعة وستنقشع
من الخطأ أن يبني عاقلٌ دولة من الوهم على أنقاض كلمة أو تصرف أو التفاتة أو نظرة كانت بحسن نية وما أُريد من ورائها شيء... وكل الخطأ أن يجعل الواحد منا لشعوره – سواءً كان شعوره سيئاً أم حسناً -أجنحة يحلق بها ويرتفع عن أرض الواقع وينسى حقيقة منبع إحساسه وأنه بني على لا شيء ... فإن ذاك الإحساس ليس إلا كفقاعة لا تلبث وتنفجر وتنقشع إلى غير رجعة .
*************

" المؤمنون بعضهم أولياء بعض "
قبل عام من الآن كنت أقيم في قسم الحروق في إحدى المستشفيات مع أخي حيث كانت حروقه تتجاوز 40 % من جسده وفي 50 % منها تتعدى الدرجة الثالثة ... كان كمن خرج من انفجار نال من جسده ... أقمت في المستشفى واحداً وثلاثين يوماً ونصف ليلاً ونهاراً ... ما كنت أخرج إلا للبقالة لتأمين بعض الحاجيات ... كنت كمن كان في غيبوبة عن العالم وعن الإحساس لا أدري كيف تحملت الموقف كنت أشارك في تغسيله يومياً وأرى جلده يتساقط وجروحه تنزف وأوردته وشرايينه تجف وتموت ... وأسمع عويله وكأنه لا شيء ... ومن ثم أوقع على العمليات دون علم أهلي فلا أريد أن أزيد ألمهم فيكفيهم البعد وأنهم لا يستطيعون زيارته إلا كل أسبوع مرة لساعات قليلة فقط ... كنت أخشى للحظة ألا يخرج حياً من غرفة العمليات ولكني كنت أتوكل على الله وأمضي ... رافقني في تلك الأيام مسبحتي التي أعطاني إياها جدي قبل أن يتوفى ومصحفي الصغير وكتاب طلبته فأتوني بصيد الخاطر ويا خير ما أتو به ...وكان في القسم طفلة صغيرة كأنها قطعة من ضياء أحالت ضيق أيامنا أنساً وفرجاً فلله الحمد من قبل ومن بعد ...تلك المصيبة أعادتني للمدينة التي أحببت وعشقت ... فلي فيها ذكريات لا تنسى ... وأحباب سكنوا الروح وما تركوا مكاناً لغيرهم ... عدت لهم ولبلادهم قبل آذار الماضي بأشهر قليلة وأقفلت عائدة لمدينتي أحمل في صدري شعوراً لا أستطيع تفسيره ... فقد شعرت أني بشوارعهم غريبة وأن لا مكان لي هناك وكأن حلقة الوصل بيننا تآكلت لطول المسافة بين المدينتين ... ولكن الله شاء أن أعود لذات المكان مرة أخرى ليُنسف هذا الشعور من أساسه ولتتوقد في قلبي حرارة هذا الحب " الحب في الله ولله " مرة أخرى ولتسرج روحي من دفئ أرواحهم ... فمنذ علمهم بأني هناك ما تركوني لا هم ولا أزواجهم ولا أبناؤهم ولا من عرفني من أقربائهم وحتى من لم يعرفني من إخواننا هناك ... سبحان الله إنهم أهل الدعوة والدين الذين صدق فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداع له سائر الجسد بالسهر والحمى
"